للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سافر تنل رتب المفاخر والعُلى كالدرِّ سار فصار في التيجانِ

وكذا هلالُ الأفقِ لو ترك السُّرى ما فارقته معرَّة النقصان

وفي قول الطغرائي في هذا البيت من البديع الإيضاح، وإرسال المثل، أمَّا إرسال المثل فإنه واضح؛ لأن كل مَنْ سمعه وحفظه تمثّل به فيما يليق من المواقع، وأمَّا الإيضاح فإنه أزال به اللبس من خفاء الحكم الذي ادّعاه في البيت الذي تقدّمه، وهو أنّ العزّ في النقل، هذا حكم خافٍ عند المخاطب حتى يوضّحه بقوله: لو أنّ في شرف المأوى ... البيت، فيزول اللبس، ويتضح الحكم.

قال رحمه الله تعالى:

أهبتُ بالحظِ لو ناديتُ مستمِعاً ... والحظُّ عنِّيَ بالجُهَّالِ في شُغُلِ

اللغة: أهاب الراعي بغنمه: صاح بها لتقف ولترجع، والحظ: النصيب، والنداء: معروف، مستمعا: اسم فاعل من استمع، والجهل: خلاف العِلم، شغل: فيه أربع لغات: شُغْل، وشُغُل، وشَغْل، وشَغَل.

الإعراب: أهبت: فعل وفاعل، بالحظ: الباء للتعدية، والألف واللام للعهد الذهني، والجار والمجرور في موضع النصب، ومستمعا: مفعول به، والحظ: مبتدأ / في [٥٧ أ] شغل: في موضع رفع، خبر للمبتدأ تقديره والحظ مستقر في شغل بالجهال عنّي.

أنشد ابن الوردي رحمه الله (١): (مجزوء الرجز)

وأغيدٍ يسألني ... ما المبتدا والخبرُ

مثلْهما لي مسرعاً ... فقلتُ أنتَ القمرُ

المعنى: صحت بالحظ، وطلبت إقباله لو أني ناديت من يسمعني؛ لأن الحظ اشتغل عني بالجهال، وهذا ينظر إلى قول عبد الرحمن بن الحكم (٢): (من الوافر)

لقد أسمعتَ لو ناديتَ حَيّاً ... ولكنْ لا حياةَ لِمَنْ تُنادي

والصحيح أن الحظوظ لاتعلل، فما وجودها وعدمها باستحقاق من الطرفين، بل الله يرزق من يشاء بغير حساب، قال الله تعالى: [وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ] (٣) وقال تعالى: [نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا] (٤)، وقال عليه السلام: (لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد).


(١) ديوانه (م)
(٢) لقد نسب هذا البيت لكل من: بشار بن برد، دريد بن الصمة، عمرو بن معدي كرب الزبيدي، كثير عزة، مهيار الديلمي، عبد الرحمن بن الحكم وغيرهم وهو في دواوينهم (م)،
(٣) النحل ٧١
(٤) الزخرف ٣٢

<<  <   >  >>