للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الثّاني: هيمنته على الكتب السابقة.

ودليلهما قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (١).

وقد ساق البغوي (٢) في تفسيره جملةً من أقوال السلف في بيان معنى الهيمنة في الآية.

فقال بعضهم في معنى مهيمناً؛ أي شاهداً. وقيل: دالا، ومؤتمناً، وقاضياً، ورقيباً، وحفيظاً.

ثم قال البغوي - رحمه الله -: «والمعاني متقاربة، ومعنى الكل: أنَّ كلَّ كتاب يشهد بصدقه القرآن فهو كتاب الله تعالى، وما لا فلا» (٣).

وهكذا فإنّ القرآن الكريم قد جعله الله تعالى حَكَماً على ما عداه من الكتب، فمن جاءنا بكتاب يدعي أنَّه من عند الله، وفيه ما يخالف القرآن؛ جزمنا بأنَّه ليس كذلك.

الأمر الثالث: تفصيله مواضع مخالفة الأمم السابقة -وبالأخص أهل الكتاب- لما جاءت به رسلهم من أمر الدين، كما في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (٤)، وقوله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (٥).


(١) سورة المائدة، الآية ٤٨.
(٢) هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد، الإمام الشافعي المفسر صاحب التصانيف. كان آية في الزهد، وله قدم راسخ في التفسير والفقه. توفي بمرو الروذ بخراسان سنة ست عشرة وخمسمائة. له: شرح السنة- معالم التنزيل- المصابيح- الجمع بين الصحيحين، وغيرها. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي ١٩/ ٤٣٩ - ٤٤٣.
(٣) انظر: تفسير البغوي ٣/ ٦٥ (طبعة دار طيبة).
(٤) سورة النمل، الآية ٧٦.
(٥) سورة النحل، الآيتين ٦٣ - ٦٤.

<<  <   >  >>