للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ربه جل وعلا، سواءً فهمه العقل واستوعبه، أو حار فيه ولم يبلغ فهم كنهه.

فمتى أقر المرء بثبوت النبوة لمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وجب عليه التصديق بكل ما أخبر، وما لا تبلغه العقول منه فإنه يُوكل إلى عالم الغيب والشّهادة.

الأمر الثاني: ثبت في السّنّة الصحيحة تضليلُ النّصارى، وبيانُ كفرهم ومخالفتهم ما أَنزل الله على نبيه الكريم عيسى - عليه السلام -، وإثباتُ تحريفِهم كتابَهم وطاعتِهم الأحبارَ والرهبان في تحليل الحرام وتحريم الحلال، ونذكر من هذه الأحاديث ما يلي:

الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسُ محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي،

ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار) (١).

وهذا الحديث صريح في كفر مَن بلغته رسالة الإسلام من اليهود والنّصارى ثم لم ينتقل مما هو عليه إليها، لأنّه حُكِم عليه بالخلود في النّار، ولا يخلَّد في النّار إلا الكافرون.

الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده، ليوشكن أنْ ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) (٢).

ووجه الدلالة من الحديث حُكْمُ عيسى - عليه السلام - بالإسلام، فيدل على نسخ رسالته برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن مظاهر ذلك كسر الصّليب، وقتل الخنزير، وعدم قبول الجزية ممن يريد دفعها ليبقى على دينه، بل يُلزم بالإسلام أو يقاتَل.

الثالث: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس بيني وبينه نبي - يعني عيسى - عليه السلام - وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجلٌ مربوع إلى الحمرة والبياض، بين ممصرتين (٣)، كأنّ رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم


(١) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع النّاس ونسخ الملل بملته، ح١٥٣، ١/ ٨٠.
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب قتل الخنزير، ح٢٢٢٢، ص٥٣٠. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب نزول عيسى بن مريم حاكماً بشريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ح١٥٥، ١/ ٨٠.
(٣) الممصَّرة من الثياب: التي فيها صفرة خفيفة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٤/ ٣٣٦.

<<  <   >  >>