للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على المسلمين، فيجب عليهم صد العدوان عن أنفسهم وبلادهم.

ثم قال الباحث بعد استعراض أدلة الفريقين: «وبالمقارنة بين الأدلة يبدو أنَّ ثمة تقارباً في قوة كل منهما وضعفه، الأمر الذي يجعل ترجيح أحدهما عسيراً» (١).

ثم رأى في ترجيحه التفصيل في الأمر، بحيث تكون العلاقة سلميّةً قبل بلوغ الدعوة وأثناءها، وفي حالة التجاوب معها. وتكون حربيّةً إذا بلغت الكفارَ الدعوةُ فوقفوا منها موقف العداء والعناد والصّدّ (٢).

ولعلّ هذا هو الأقرب لأنّ المقصود الأعلى من جهاد الطلب إبلاغ الدعوة، وإزالة ما يحول بين المسلمين وإيصالَ رسالة الدين إلى العالمين (٣).

ولأنّ مجردَ الكفر ليس موجباً للقتل بل مبيحاً له، بدليل نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل الكفار من النساء والولدان والشيوخ الكبار والرهبان والعبّاد.

والأصلُ أنّ الدماءَ معصومةٌ محفوظة، لا تزهق لمجردِ المخالفةِ في المعتقد.

وقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً إلى اليمن يدعوهم، ولم يرسل معه جيشاً.

ولم يُعهد أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أجبر أحداً على الإسلام، وقد كان يساكنه في المدينة اليهود، فيتعامل معهم بالبيع والشراء، ويجيب دعواتهم، ويأكل من طعامهم، ويعود مرضاهم. ثم وفد عليه وفد نصارى نجران فجادلهم ولم يكرههم على الإسلام، بل ترك لهم حرية التدين، وإدارة شؤون كنائسهم، مع التزامهم بدفع الجزية لقاء حماية المسلمين لهم، حيث لا مجال لمشاركتهم في مهام الدفاع عن ديار المسلمين التي يعيشون فيها.

ولم يُعهد كذلك عن الصحابة ولا التابعين أن أجبروا أحداً في فتوحاتهم على الإسلام، بل يُترك الكتابيُّ على دينه، ويُلزم دفعَ الجزية.


(١) انظر: التعامل مع غير المسلمين، الطريقي، ص١٢٤.
(٢) المرجع السّابق، ص١٢٨.
(٣) وهو ما رجّحه أيضاً الباحث محمد خير هيكل، في كتاب "الجهاد والقتال في السياسة الشرعية" ٣/ ١٧٠٥، وهو في الأصل رسالة دكتوراه.

<<  <   >  >>