للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين الفقهاء؛ فقد ذهب فريق من الفقهاء إلى القول بالإباحة، فالمضطر مخير بين الأخذ بالرخصة، وبين تركها؛ إذ أن هذا هو الذي يتفق ومعنى الرخصة، وأيَّدوا هذا الموقف أيضاً بما روي عن عبد الله بن حذافة السهمي أن طاغية الروم حبسه في بيت، وجعل معه خمراً ممزوجاً بماء، ولحم خنزير مشوياً ثلاثة أيام، فلم يأكل ولم يشرب حتى مال رأسه من الجوع والعطش، وخشوا موته فأخرجوه فقال: ... «قد كان الله أحلَّه لي؛ لأني مضطر، ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام» ولأن إباحة الأكل رخصة فلا تجب عليه كسائر الرخص، ولأنَّ له غرضاً في اجتناب النجاسة والأخذ بالعزيمة، وفارق الحلال في هذا الأصل من هذه الوجوه.

وذهب فريق آخر إلى أن الحكم في حال الضرورة هو وجوب الأخذ بالرخصة وهو قول مسروق، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي، قال الأثرم: سئل أبو عبد الله عن المضطر يجد الميتة ولم يأكل؟ فذكر قول مسروق: من اضطر فلم يأكل، ولم يشرب فمات دخل النار، وهذا اختيار ابن حامد، وذلك لقول الله - عز وجل -: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} البقرة/١٩٥. وقال الله - عز وجل -: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} النساء/٢٩. ولأنه قادر على إحياء نفسه بما أحله الله له، فلزمه كما لو كان معه طعام حلال (١).

٣ - لا رخصة بسبب معصية، فلو نشأت الضرورة نتيجة ارتكاب معصية فليس للمتلبس بها الترخص بما يباح لمن عداه (٢).

٤ - وجوب الاقتصار في تناول المحظور، أو ترك الواجب المطلوب، على القدر الذي يرفع الضرر دون زيادة عليه، إذا كان الضرر مؤقتاً مرجو الزوال، أما إذا كان مستمراً، وليس متوقعاً رفعه أو دفعه، فيباح الإعداد له إلى الوقت الذي يغلب على الظن استمراره.

٥ - لا تبيح الضرورة للمضطر الاعتداء على مال غيره أو أخذه بدون إذن صاحبه ورضاه، وهذا ما تعبر عنه القاعدة الفقهية التالية: «الاضطرار لا يبطل


(١) شرح منح الجليل لعليش: ٢/ ٤٥٥. المغني لابن قدامة: ٩/ ١٥٣. وانظر: فقه الضرورة لعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان: ص ٧٦ وما بعدها.
(٢) شرح منح الجليل لعليش: ٢/ ٤٥٦.

<<  <   >  >>