للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الترجيح: مما سبق من أدلة وما جاء في الرد عليها، يتوضح ضعف رأي من قال بجواز تعدد الخلفاء مطلقاً، ويُرَدُّ على من قال إن تنصيب إمام في كل بلد أفضل لتحقيق مصالح أهله، بأن هذا الأمر غير أكيد، بل إن وحدة الأمة تحت راية واحدة هي الأقدر على تحقيق مصالحهم، وخاصة في هذا العصر الذي يتميز بالتكتلات الكبرى، ثم إن الخليفة مكلف بحراسة الدين أيضاً، وليس فقط بتحقيق المصالح الدنيوية، وهذا لا يتأتى مع الفرقة والتعدد. ولا أدل على هذا من أن أعداء الأمة كان أول ما فعلوه عند تمكنهم من البلاد الإسلامية مطلع القرن الماضي بعد سقوط الخلافة العثمانية، وما قبله، هو تمزيقها وتجزئتها إلى دويلات ليسهل التحكم بها، ثم إن هذه المصالح التي يتكلمون عنها يمكن تحقيقها عن طريق تعيين الولاة في هذه البلاد المختلفة.

وأما من قال بجواز التعدد بالضرورة فقوله صحيح، على ألا نتوسع بالضرورة ونظن أنها الحكم الأصلي في المسألة، وأن نسعى لإزالة أسباب الضرورة بكل ما نستطيع.

قال محمد رشيد رضا: «آن للمسلمين أن يفقهوا أن جعل أحكام الضرورة في خلافة التغلب أصلاً ثابتاً دائماً هو الذي هدم بناء الإمامة، وترتب عليه تفرق الكلمة، وضعف الدين والدولة» (١).

وأما قياس الإمامة على النبوة فهو قياس مع الفارق، إذ إن التنازع بين الأنبياء منفي، بعكس الخلفاء والأئمة، فالأنبياء معصومون دون غيرهم.

ولابد من التريث قبل التسليم بما ذكره الطبري في تاريخه أنه في سنة ٤٠هـ جرت بين علي - رضي الله عنه - وبين معاوية - رضي الله عنه - المهادنة على وضع الحرب بينهما وأن يكون لعلي - رضي الله عنه - العراق، ولمعاوية - رضي الله عنه - الشام، فلا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزو، وأن معاوية - رضي الله عنه - أقام بجنوده في الشام يجبيها وما حولها وعلي - رضي الله عنه - في العراق يجيبها ويقسمها بين جنوده (٢)، لأن هذه الرواية لو صحت


(١) الخلافة لمحمد رشيد رضا: ص ٧٦.
(٢) تاريخ الطبري: ٣/ ١٥٤. وانظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير: ٣/ ٢٥٢. والبداية والنهاية لابن كثير: ٧/ ٣٥٧ نقلاً عنه.

<<  <   >  >>