للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي ضوء ما تقدم يمكن القول: إن الخليفة المهدي الفاطمي أحسَّ أن الناس في إفريقية ليس لديهم استعداد لقبول فكرة خلافة تقوم على مبادئ الشيعة الإسماعيلية كما صاغها دعاتهم ومفكروهم أثناء فترة الاستتار، ودخلت فيها آراء غريبة كل الغرابة عن صفاء مذهب أهل السُّنة، وقد أحسَّ المهدي أنه ليس بين رعية، وإنما تجاه خصوم، وأنه لن يستطيع السيطرة على أولئك الناس قط (١).

وفضلاً عن ذلك فإن السياسة المالية لعبيد الله المهدي كانت سياسة جشع بغير حدود، فهو يجمع المال من الجبايات، ورجاله يتاجرون له ولأفراد بيته، وكلهم يجمعون الأموال بالحق والباطل.

ونتيجة لذلك حرص المهدي على البعد عن «رَقَّادة» و «القيروان»، لأنهما مركز المقاومة السُّنية، وأسس مدينة جديدة سنة ٣٠٣ هـ هي مدينة المهدية.

[التوجه الشرقي للخلافة الفاطمية والتفكير في فتح مصر]

لقد كان ضعف موارد بلاد المغرب وضآلة إمكاناتها المادية، وكونها مسرحاً للفتن والاضطرابات التي تنشب من حين لآخر، بين القبائل أو القوى السياسية المتصارعة - إضافة لمقاومة أهل السُّنة لهم - كان سبباً آخر ليفكر الفاطميون بالانتقال إلى مصر.

والواقع أن أحلام الفاطميين وطموحاتهم السياسية كانت أكبر من إقامة خلافة شيعية في بلاد المغرب البعيدة عن قلب الأحداث ومركزِها في المشرق، بل كانوا يخططون لبسط نفوذهم على العالم الإسلامي كله، من أجل إقامة خلافة علوية عالمية ينضوي تحت لوائها جميع الشعوب الإسلامية، والقضاء على الخلافة العباسية السُّنية في بغداد (٢)، فامتلاك مصر يعني السيطرة على الشام والحجاز، وبحكم الحجاز يكتسب الفاطميون مركزاً دينياً ممتازاً، لأن هذه البلاد موطن المقدسات الدينية، وحاكمها يعتبر الحاكم الفعلي للدولة الإسلامية، لما لها من


(١) معالم تاريخ المغرب والأندلس للدكتور حسين مؤنس: ص ١٤٦.
(٢) الدولة الفاطمية للدكتور عبد الله جمال الدين: ص ٩٣. تاريخ مصر الإسلامية للدكتور جمال الدين الشيال: ١/ ١٣٧.

<<  <   >  >>