للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[دور العلماء في الأندلس في التمهيد لإعلان الخلافة]

بعد كل فشل للعباسيين في استعادة الأندلس لسلطة الخلافة العباسية، كانت خطوات الأندلس تتعزز نحو إعلان الخلافة الأموية، وكان الأمراء الأمويون يقتربون من إعلان خلافتهم شيئاً فشيئاً، وكان قيام الأمير عبد الرحمن الأوسط (١) بصك النقود باسم الأمويين، بعد أن كانوا يتعاملون بالنقود المشرقية العباسية، خطوة أخرى نحو تعزيز الاستقلال الأموي عن العباسيين.

ولا بد هنا من ذكر ما كان لمؤلفات بقي بن مخلد (٢) - الذي شجعه الأمير محمد بن عبد الرحمن بن الحكم على نشر المذهب الشافعي في الأندلس بعد معارضة فقهاء المالكية له - من دور طيب في تهدئة الاضطرابات وحالة الفوضى التي عمَّت البلاد في آخر عهد الأمير عبد الله بن محمد (٣)، فقد سلَّمت هذه المؤلفات بأحقيَّة البيت الأموي في الرياسة والحكم، وثبتت الحق الشرعي للأمير في الرياسة على الجماعات الإسلامية، وتسمى الأمير تبعاً لذلك بالإمام أو إمام الجماعة، الأمر الذي مهَّد لعبد الرحمن الناصر حفيد الأمير عبد الله بن محمد ومكَّنه من رفع الإمارة إلى مستوى الخلافة سنة ٣١٦ هـ/٩٢٨ م، وخلَّف بقيُّ بنُ مخلد من بعده نفراً طيباً من تلاميذه الذين درسوا المذهب الشافعي على يديه، مثل هارون بن نصر القرطبي المتوفى ٣٠٢هـ/٩١٤ م، وعثمان بن وكيل، وعثمان بن سعيد الكناني ويعرف بحرقوص المتوفى ٣٢٠ هـ/٩٣٢ م، وأسلم بن عبد العزيز المتوفى سنة ٣١٩هـ/٩٣١ م، وابن أمية الحجاري صاحب كتاب أحكام القرآن (٤).


(١) انظر ترجمة عبد الرحمن الأوسط في فهرس التراجم رقم (٧٦).
(٢) انظر ترجمة بقي بن مخلد في فهرس التراجم رقم (٣٨).
(٣) عمَّت الثورات في أجزاء الأندلس حتى أنه لم يبق بيد الأمير عبد الله بن محمد سوى قرطبة، وقد عزم الثوار على الدعاء للخليفة المعتضد بالله على منابرهم فكتبوا إلى إبراهيم بن أحمد الأغلب يسألونه أن يبعث عليهم رجلاً من قبله، فتثاقل عنهم إبراهيم وشغله اضطراب أهل أفريقية عليه، وهذا يشير إلى استمرار تأثير الدعوة العباسية على مجريات الأحداث في الأندلس وقد وجدت في الأندلس قطع نقدية كثيرة أصدرها الثوار كلها تحمل نقشاً مميزاً ب (غ. ل. ب) الذي هو شعار الأغالبة. نهاية الأرب للنويري: ٢٣/ ٣٩٥. الأندلس لمحمد أبا الخيل: ص ٣٧٤ - ٣٧٥. الدولة الأغلبية لمحمد الطالبي: ص ٤١٣.
(٤) بغية الملتمس للضبي: ص ١٥. تاريخ الفكر الأندلسي لبالنثيا: ص ٤٣٣. سير أعلام النبلاء: ٨/ ٢٦٢. شيوخ العصر لمؤنس: ص ٥٠. وقد ذكر ابن حزم في فضائل أهل الأندلس: ص ٤٣٣ أنه لم يؤلف في الإسلام مثل مؤلفات بقي بن مخلد.

<<  <   >  >>