للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمصالح الضرورية وما دونها دال على سعة رحمته وذلك دال على سعة علمه، وأنه الإله الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له. {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} أي: له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها، أعيانها وأوصافها وأفعالها والأمر المتضمن للشرائع والنبوات، فالخلق: يتضمن أحكامه الكونية القدرية، والأمر: يتضمن أحكامه الدينية الشرعية، وثم أحكام الجزاء، وذلك يكون في دار البقاء، {تَبَارَكَ اللَّهُ} أي: عظم وتعالى وكثر خيره وإحسانه، فتبارك في نفسه لعظمة أوصافه وكمالها، وبارك في غيره بإحلال الخير الجزيل والبر الكثير، فكل بركة في الكون، فمن آثار رحمته، ولهذا قال {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (١)

o بيان وحدانية الله عزَّ وجلَّ، واستحقاقه وحده للعبادة. مثال ذلك قوله سبحانه {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)} (٢)، قال العلامة السعدي - رحمه الله - " يخبر تعالى - وهو أصدق القائلين - أنه {إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي: متوحد منفرد في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فليس له [ص ٧٨] شريك في ذاته، ولا سمي له ولا كفو له، ولا مثل، ولا نظير، ولا خالق، ولا مدبر غيره، فإذا كان كذلك، فهو المستحق لأن يؤله ويعبد بجميع أنواع العبادة، ولا يشرك به أحد من خلقه، لأنه {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} المتصف بالرحمة العظيمة، التي لا يماثلها رحمة أحد، فقد وسعت كل شيء وعمت كل حي، فبرحمته وجدت المخلوقات، وبرحمته حصلت لها أنواع الكمالات، وبرحمته اندفع عنها كل نقمة، وبرحمته عرّف عباده نفسه بصفاته وآلائه، وبيَّن لهم كل ما يحتاجون إليه من مصالح دينهم ودنياهم، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب.

فإذا علم أن ما بالعباد من نعمة، فمن الله، وأن أحدا من المخلوقين، لا ينفع أحدا، علم أن الله هو المستحق لجميع أنواع العبادة، وأن يفرد بالمحبة والخوف، والرجاء، والتعظيم، والتوكل، وغير ذلك من أنواع الطاعات. وأن من أظلم الظلم، وأقبح القبيح، أن يعدل عن عبادته إلى عبادة العبيد، وأن يشرك المخلوق من تراب، برب الأرباب، أو يعبد المخلوق


(١) - تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (تفسير السعدي) ص ٣٨٤. ط إحياء التراث الإسلامي- الكويت
(٢) - سورة البقرة، آية: ١٦٣.

<<  <   >  >>