للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (١) يأمر تعالى بالإخلاص له في جميع الأحوال وإقامة دينه فقال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} أي: وجِّهْهُ إلى الدين بإقامة الشرائع الظاهرة كالصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها. والشرائع الباطنة كالمحبة والخوف والرجاء والإنابة، وخص الله إقامة الوجه؛ لأن إقبال الوجه تبع لإقبال القلب، ويترتب على الأمرين سَعْيُ البدن، ولهذا قال: {حَنِيفًا} أي: مقبلا على الله في ذلك معرضا عما سواه. وهذا الأمر الذي أمرناك به هو {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} ووضع في عقولهم حسنها واستقباح غيرها، ووضع في قلوبهم الميل إليها، وهذه حقيقة الفطرة. ومن خرج عن هذا الأصل فلعارض عرض لفطرته أفسدها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:"ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" (٢). فالفطر السليمة هي {الدِّينُ الْقَيِّمُ} أي: الطريق المستقيم الموصل إلى الله وإلى كرامته، فإن من أقام وجهه للدين حنيفا فإنه سالك الصراط المستقيم في جميع شرائعه وطرقه (٣). ومن تنبيه الفطر أيضاً قوله عزَّ وجلَّ {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢)} (٤) والآية تذكير بما أودع الله في فِطَرِ الخلق، من الإقرار بأنه ربهم، وخالقهم، ومليكهم، لأن الله سبحانه فطر عباده على الدين الحنيف القيم؛ فكل أحد مفطور على ذلك، فلا يحدث له تغير، أو تبدل، إلا بما يطرأ عليه من فاسد


(١) - سورة الروم، آية: ٣٠
(٢) - متفق عليه، البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، حديث رقم: ١٣٥٨. ومسلم كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، حديث رقم ٢٦٥٨.
(٣) - تيسير الكريم الرحمن. ص ٨٩٧. بتصرف.
(٤) - سورة الأعراف، آية: ١٧٢

<<  <   >  >>