للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلل ولا عيب، ولا ممانعة، ولا معارضة، فدل ذلك، على أن مدبره واحد، وربه واحد، وإلهه واحد، فلو كان له مدبران وربان أو أكثر من ذلك، لاختل نظامه، وتقوضت أركانه فإنهما يتمانعان ويتعارضان، وإذا أراد أحدهما تدبير شيء، وأراد الآخر عدمه، فإنه محال وجود مرادهما معا، ووجود مراد أحدهما دون الآخر، يدل على عجز الآخر، وعدم اقتداره واتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور، غير ممكن، فإذًا يتعين أن القاهر الذي يوجد مراده وحده، من غير ممانع ولا مدافع، هو الله الواحد القهار (١).

* وقريب منه ما ذكره الله في قوله تعالى {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} (٢) فنفى سبحانه بالدليل العقلي (دليل التمانع)، ما افتروه عليه من اتخاذ الولد أو أن للكون إلهين؛ إذ لو كان الأمر كما يزعمون، لانفرد كل إله بمخلوقاته، واستقل بها، ولحرص كل إله على ممانعة الآخر، ومغالبته، مما لا يتصور معه انتظام الكون على هذا النحو المدهش الدقيق، فلا خلل، ولا تناقض، ولا معارضة، فاستحال أن أن يكون هذا النظام، والترتيب من تقدير آلهة متعددة، فلم يبق إلا الإقرار لله عزَّ وجلَّ بالتفرد والوحدانية.

* ومن الأدلة العقلية والبراهين القطعية قوله سبحانه {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥)} (٣) خطاب الله للكفار المعاندين، فهم لم يُخْلَقوا من غير خالق، إذ كل مخلوق لابد له من خالق، كما أنهم لم يخلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون الله عزَّ وجلَّ هو خالقهم.


(١) - تيسير الكريم الرحمن. ص ٧١٩. بتصرف.
(٢) - سورة المؤمنون، آية: ٩١.
(٣) - سورة الطور، آية: ٣٥.

<<  <   >  >>