للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنهي عن المنكر، مع الصبر على الأذى، ثم توجيه بالتواضع، وترك الكبر والخيلاء، والتوسط في المشي، والتأدب بخفض الصوت في الخطاب مع الآخرين.

ومن هذه المعاني

أدب الأبناء مع الآباء، والتعبد لله بطاعتهم وبرهم، والنصح لهم.

وهذا الأمر من السلوكيات البارزة التي حث عليها القرآن. وظهر هذا المعنى في قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه في سورة مريم حين يدعوه إلى الله، متلطفاً به، صابراً على جفائه، وقد حكى القرآن هذا المشهد في قوله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٤١) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (٤٢) يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣) يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤) يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (٤٥) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} (١). بمثل هذا اللطف والأدب يكون خطاب الولد لوالده، ولو كان أعلم، وأرفع مكانة، لكنه المقام الذي لا يمكن تجاوزه بحال، ويظهر ذلك من خلال تكرار {يَاأَبَتِ} في الخطاب الإبراهيمي لأبيه، وفيه تحنن، وترفق، واستمالة للقلوب.

وفي نفس المعنى يبرز موقف إسماعيل عليه السلام حين قصَّ عليه أبوه إبراهيم عليهما السلام ما يرى في نومه، من أنه يذبحه، فلم يكن منه معارضة أو تلكؤ بل سارع لطاعة ربه، وإعانة أبيه على الطاعة أيضا، واستسلم لأبيه، مستلقياً على وجهه، في مشهد لم تر عين الزمان له مثيلاً.

يقول الله تعالى {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} (٢).


(١) - سورة مريم. آية: ٤١ - ٤٧
(٢) - سورة الصافات. آية: ١٠١ - ١٠٨

<<  <   >  >>