للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجليس سوء، فالجليس الصالح كحامل المسك، في مجالسته الاسترواح والعطاء والعطر والسرور، وجليس السوء كنافخ الكير، في مجالسته وهج اللهب والدخان والنتن والكآبة، وقد مثل ذلك الرسول الكريم صلوات الله عليه أروع تمثيل بقوله:

((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء: كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة)) (١).

ومن هنا كان الصحابة الكرام يتحاضون على زيارة أهل الخير الذين يذكرون بالله، ويرققون القلوب، ويستدرون دموع الخشية والعظة والاعتبار من المآقي، وفي ذلك يروي أنس رضي الله عنه هذه الواقعة:

((قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: انطلق بنا إلى أم أيمن (٢) نزورها كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها. فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها)) (٣).

بمثل هذه المجالس التي تحفها الملائكة، ويظلها المولى سبحانه برحمته، يقوى إيمان الإنسان، وتصفو روحه، وينجلي قلبه، وتزكو نفسه، ويغدو خيرا محضا على نفسه وأسرته ومجتمعه، وهذا ما يهدف إليه الإسلام في مخاطبة الناس وتوجيههم أفرادا وجماعات.


(١) متفق عليه.
(٢) هي حاضنة رسول الله وخادمته في طفولته، أعتقها النبي - صلى الله عليه وسلم - جين كبر، وزوجها زيد بن حارثة، وكان - صلى الله عليه وسلم - يكرمها، ويبرها، ويقول: ((أم أيمن أمى)).
(٣) رواه مسلم.

<<  <   >  >>