للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن)) أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالا يأتون الكهان (١)!. قال: ((فلا تأتهم) قلت: ومنا رجال يتطيرون! (٢) قال: ((ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم (٣))) (٤).

ولقد بلغ من رفق النبي الكريم بالناس حين يدعوهم إلى الخير أنه لا يجبه المسيء بإساءته حرصا على مشاعره أن تخدش وعلى كرامته أن تهان، بل كان يلجأ إلى التورية في استنكار إساءته وتنبيهه إلى سوء فعلته، وهذا الأسلوب أوقع في النفوس، وأدخل إلى القلوب، وأنجع في مداواة العلل والأخطاء.

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بلغه عن رجل شيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ... )) (٥).

ومن صفات الداعية الناجح تبيين كلامه وإيضاحه للمخاطب، وتكريره على مسامعه، وهذا ما كان يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما يقول أنس رضي الله عنه:


(١) الكهان: جمع كاهن، وهو رجل يدعي معرفة الضمير ويخبر عن المستقبل.
(٢) أي يتشاءمون.
(٣) أي فلا يمنعهم ذلك عن وجهتهم فإنه لا يؤثر نفعا ولا ضرا.
(٤) رواه مسلم.
(٥) حياة الصحابة ٣/ ١٢٩.

<<  <   >  >>