للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منهم الأقدام، فيعلن أن الصابرين في درب الدعوة الشائك الطويل خير من الذي لا يصبرون:

((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط

الناس ولا يصبر على أذاهم)) (١).

ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأنبياء من قبله آية في الصبر على رعونات الناس وتخرصاتهم وتفاهاتهم، ما احوج الدعاة إلى الوقوف عندها كلما نفد صبرهم، وضاقت صدورهم، وبرح بهم الأذى والعدوان.

ومن نماذج ذلك الصبر الكبير ما رواه الشيخان من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم قسمة كبعض ما كان يقسم، فقال رجل من الأنصار: والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله عز وجل. وبلغت تلك القالة الظالمة مسامع الرسول الكريم فشق ذلك عليه، وتغير وجهه، وغضب، ثم قال: ((قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر)).

بهذه الكلمات القليلة سكت عن الرسول الكريم الغضب، وانقشع الغيظ، وهدأت النفس الكريمة السمحة الصفوح.

إنه خلق الأنبياء والدعاة الصادقين في كل زمان ومكان، وهو الصبر على

أذى الناس وتخرصاتهم وأقاويلهم، وبدونه لا تستمر دعوة، ولا يثبت دعاة. ولا تنقص المسلم الواعي الحصيف اللباقة في تألف الناس ومداراتهم واتقاء شرهم وفحشهم، إن كانوا من السفهاء؛ فالمؤمن كيس فطن في مخالطته الناس، ذكي لبق في مخاطبتهم، لا يحسون منه جفوة، ولا يلمسون فظاظة أو غلظة، وهذا ما جاء به الهدي النبوي الكريم فيما يرويه الإمام البخاري عن السيدة عائشة من أن رجلا استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال:


(١) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.

<<  <   >  >>