للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

((أنفق يابن آدم ينفق عليك)) (١).

ولا يخالج نفس المسلم الواثق بربه شك أن ما ينفقه في سبيل الله لا ينقص من ماله شيئا؛ فالصدقة تنمي المال ولا تنقصه:

((ما نقصت صدقة من مال ... )) (٢).

أما ثوابه على ما أنفق ابتغاء وجه ربه، فيجل عن الوصف والتقدير بمضاعفة الله إياه أضعافا مضاعفة، ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعد المال الباقي حقيقة هو ما انفق في سبيل الله، وذلك في الحديث الذي ترويه السيدة عائشة عن ذبحهم شاة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما بقي منها؟)) قالت: ما بقي إلا كتفها، قال: ((بقي كلها غير كتفها)) (٣).

لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريصا على تأصيل فضيلة الكرم في نفوس المسلمين، وجعلها من الفضائل التي يتسابق المسلمون إلى التحلي بها والتنافس فيها، يشهد لذلك قوله:

((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته (٤) في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) (٥).

لقد سوى الرسول الكريم بين هلكته المال في الحق وبين الحكمة والقضاء بها وتعليمها، إذ قال: لا حسد، أي لا غبطة إلا في إحدى هاتين الخصلتين، لما في البذل في سبيل الحق من وقع كبير ونفع بالغ في حياة المسلمين الاجتماعية؛ فالمال عصب الحياة الحساس، وهلكته في سبيل


(١) متفق عليه.
(٢) رواه مسلم.
(٣) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ومعناه: أنها بقيت لنا في الآخرة إلا كتفها.
(٤) أي إنفاقه.
(٥) متفق عليه.

<<  <   >  >>