للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: أتي الله بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال:- ولا يكتمون الله حديثا- قال: يا رب آتيتنى مالك، فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أتيسر على الموسر، وأنظر المعسر، فقال الله تعالى: ((أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي))، فقال عقبة بن عامر، وأبو مسعود الأنصاري رضي الله عنهما: ((هكذا سمعناه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) (١).

[عفيف لا يتطلع إلى المسألة]

على أن المسلم الحق عفيف مستغن، لا يتطلع إلى المسألة، إذا ألم به

ضيق تذرع بالصبر، وضاعف من الجهد، وحرص على ألا يقف موقف المستعطي المستجدي المستدر أكف المحسنين؛ ذلك أن هدي هذا الدين يربأ بالمسلم أن يضع نفسه في هذا الموقف، ويهيب به أن يستعف ويستغني ويصبر، وسيعينه الله ويهبه الغنى والصبر والعفاف:

((من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء هو خيرا وأوسع من الصبر)) (٢).

إن الإسلام الذي جعل في أموال الأغنياء حقا للفقراء، يتقاضونه بغير منة ولا أذى ولا غضاضة، أراد للفقراء في الوقت نفسه أن يستغنوا عن هذا الحق، وأعلن أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن على المسلم الحق أن يعمل دوما على ألا تكون يده السفلى؛ ذلك أجدر به وأليق وأكرم، وفي ذلك دفع للمقلين أن يضاعفوا من جهودهم، وألا يتكلوا على الصدقة والعطاء، وفيه حفط لماء وجوههم، وصون لكراماتهم، أن تتعرض يوما لأذى، ومن هنا


(١) رواه مسلم.
(٢) متفق عليه.

<<  <   >  >>