للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من العمر، فلما آنس الإمام فخر الدين الرازي من هذا الطالب تمكنه من علم الأنساب، وكان الإمام فخر الدين لا يحسن هذا العلم، طلب من تلميذه هذا أن يعلمه إياه، ولم يجد كضاضة من التتلمذ عليه، فأجلسه مجلس الأستاذ، وجلس هو بين يديه، فكان هذا وسام تواضع ورفعة ازدانت به سيرة الإمام فخر الدين الرازي، وما نقص ذلك من مقامه العظيم، وهو إمام عصره.

وقد روى هذه الواقعة النادرة المؤرخ الأديب ياقوت الحموي في كتابه ((معجم الأدباء)) في ترجمته عزيز الدين إسماعيل بن الحسن المروزي النسابة الحسيني، ولقد لقيه ياقوت وعاشره وصاحبه وترجم له ترجمة وافية، وقال في ترجمته: ((حدثني عزيز الدين قال: ورد الإمام فخر الدين الرازي إلى مرو، وكان من جلالة القدر، وعظيم الذكر، وضخامة الهيبة، بحيث لا يراجع في كلامه، ولا يتنفس أحد بين يديه لإعظامه، على ما هو مشهور متعارف، فدخلت إليه، وترددت للقراءة عليه، فقال لي يوما: أحب أن تصنف لي كتابا لطيفا في أنساب الطالبيين لأنظر فيه، فلا أحب أن أكون جاهلا به، فقلت له: أتريده مشجرا (١) أم منثورا؟ فقال: المشجر لا ينضبط بالحفظ، وأنا أريد شيئا أحفظه، فقلت: السمع والطاعة. ومضيت، وصنفت له الكتاب الذي سميته بالفخري، وجئته به، فلما وقف عليه، نزل عن طراحته (٢)، وجلس هو على الحصير، وقال لي: اجلس على هذه الطراحة، فأعظمت ذلك، وقلت له: أنا خادمك، فانتهرني نهرة مزعجة، وزعق علي، وقال: اجلس بحيث أقول لك، فتداخلني - علم الله- من هيبته ما لم أتمالك إلا أن جلست حيث أمرني. ثم أخذ يقرأ علي ذلك الكتاب، وهو جالس بين يدي، ويستفهمني عما يستغلق عليه إلى


(١) أي أن يكون كتاب الأنساب على هيئة شجرة.
(٢) أي وسادته التي كان يجلس عليها حين الدرس.

<<  <   >  >>