للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويمتد بر المسلم الحق لوالديه إلى ما بعد وفاتهما، بالتصدق عنهما، والإكثار من الدعاء لهما بمثل قوله تعالى:

{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (١).

وبعد، فهذا هو هدي الإسلام في بر الوالدين، وهذا هو المسلم الحق المهتدي به، فهل يتبعه المسلمون اليوم بعد أن غمرتهم الحياة المادية، وأعشت أبصارهم أضواء المدنية الحديثة؟.

إن الاهتمام لينصب اليوم في حياتنا على الزوجة والأولاد. أما الوالدان، فالعناية بهما تأتي بعدهم، وقد لا يظفر باليسير منها الوالدان، إلا إذا كان أولادهما من البررة الأتقياء.

ذلك أن النظم الاجتماعية الغربية الحديثة التي غزت عقول كثير من المسلمين، لا تحسب حسابا لبر الوالدين وحفظ شيخوختهما، وصونهما من الضيعة والامتهان حين يردان إلى أرذل العمر، وهذا ما جعل الرجل المطبوع بتلك المفاهيم والنظم لا يفكر إلا بزوجه وأولاده، ولا يلتفت إلى الوراء قليلا، ليلقي نظرة حب وبر ووفاء للجيل المدبر المولي، الذي طالما سهر الليل في تربيته، وأنفق الغالي والرخيص في تنشئته وإعداده للحياة، فتراه إذا ما فكر بالسكن المريح، والملبس الفاخر، والطعام الطيب، والرحلة الممتعة، التفت قلبه لزوجته وأولاده، ولم تدر في خلده خاطرة تذكره بنصيب والديه من هذا النعيم، وإنهما لفي أمس الحاجة إليه، يتلقيانه من يد ولدهما الحبيب.

إن بر الوالدين والإقبال عليهما بالقلب النابض بالحب، واليد المبسوطة بالبذل، وبالكلمة الطيبة المؤنسة، والبسمة المفترة الودود، لخليقة أصيلة من


(١) الإسراء: ٢٤.

<<  <   >  >>