للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل لها -ومعاوية وليدٌ بين يديها-: "إن عاش معاوية، ساد قومه"، فقالت: "ثكِلْتُه إن لم يَسُدْ إلا قومه".

وكان معاوية -رضي الله عنه- يقول: "إني لآَنَفُ من أن يكون في الأرض جهلٌ لا يسعه حِلمي، وذنب لا يسعه عفوي، وحاجة لا يَسَعها جودي".

وقال الأحوص في الفخر (١):

ما من مُصيبةِ نكبةٍ أُرْمَى بها ... إلا تُشَرِّفُنِي وترفعُ شاني

وإذا سألتَ عن الكرام وجدتني ... كالشمس لا تخفى بكل مكان

ومن أشرف الناس همة عقيل بن علفة المُرِّيُّ، وكان أعرابيًّا يسكن البادية، وكان يُصهر إليه الخلفاء، وخطب إليه "عبد الملك بن مروان" ابنته لأحد أولاده، فقال له: "جَنِّبْني هُجَناءَ (٢) ولدكِ".

وعالي الهمة يعرف قدر نفسه، في غير كبر، ولا عجب، ولا غرور، وإذا عرف المرء قدر نفسه، صانها عن الرذائل، وحفظها من أن تُهان، ونزَّهها عن دنايا الأمور، وسفاسفِها في السر والعلن، وجنَّبها مواطن الذل بأن يحملها ما لا تطيق، أو يضعها فيما لا يليق بقدرها، فتبقى نفسه في حصن حصين، وعز منيع لا تعطى الدنية، ولا ترضى بالنقص، ولا تقنع بالدون.

ألم تر إلى شرف نفس الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم نبي الله


(١) وقد زعم صاحب "العقد الفريد" أنه أفخر بيت قالته العرب، والصحيح أن أفخره قول حسان بن ثابت -رضي الله عنه -:
وبيوم بدرٍ إذ يَرُدُّ وجوهَهم ... جبريلُ تحت لوائنا ومحمدُ
(٢) الهُجَناء: الذين أُمُّهم غير عربية.

<<  <   >  >>