للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخير، فلعجزها، ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد، ويفوز بها دونها، وتتمنى أن لو فاته كسبها حتى يساويها في العدم، كما قال تعالى: {ودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} وقال تعالى: {ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسِهم من بعد ما تبيَّن لهم الحق}، فالحسود عدو النعمة، متمن زوالها عن المحسود كما زالت عنه هو، والمنافس مسابق النعمة متمنٍّ تمامَها عليه وعلى من ينافسه، فهو ينافس غيره أن يعلو عليه، ويحب لحاقه به أو مجاوزته له في الفضل، والحسود يحب انحطاط غيره حتى يساويه في النقصان، وأكثر النفوس الفاضلة الخيرة تنتفع بالمنافسة، فمن جعل نصب عينيه شخصًا من أهل الفضل والسبق فنافسه، انتفع به كثيرًا، فإنه يتشبه به، ويطلب اللحاق به والتقدم عليه، وهذا لا نذمه (١)، وقد يطلق اسم الحسد على المنافسة المحمودة، كما في "الصحيح" عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناءَ الليل وأطراف النهار، ورجل آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الحق"، فهذا حسدُ منافسةٍ وغِبْطَةٍ يدل على علو همة صاحبه، وكبر نفسه، وطلبها للتشبه بأهل الفضل) اهـ (٢).

...


(١) فعالي الهمة ينظر إلى من هو فوقه في الدين، ويقول: "فلان خير مني"، فينافسه، وساقط الهمة ينظر إلى من هو أسفل منه في الدين ويقول: "أنا خير من فلان".
(٢) "الروح" ص (٣٣٩ - ٣٤٠).

<<  <   >  >>