للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَرَّ بشر على بئر، فقال له صاحبه: "أنا عطشان"، فقال: "البئر الأخرى"، فمرَّ عليها، فقال له: "الأخرى"، ثم قال: "كذا تُقطع الدنيا"، ودخلوا إلى بشر الحافي وليس في داره حصير، فقيل له: "ألا بذا تؤذي؟ " فقال: "هذا أمير ينقضي" (١) اهـ.

- وأما كراهية الموت: فثمرة حب الدنيا والحرص على متاعها، مع تخريب الآخرة، فيكره أن ينتقل من العمران إلى الخراب، قال الطغرائي مبينًا أثر حب السلامة في الانحطاط بالهمة:

حب السلامة يثني عزم صاحبه ... عن المعالي ويغري المرء بالكَسَلِ

إن حب الدنيا، وكراهية الموت صنوان لا يفترقان، وإن الهمة العالية لا تسكن القلب الجبان، وتأمل حال خسيس الهمة، الذي أورثته التربية الفاسدة حرصًا على حياةٍ؛ أيِّ حياة ولو ذليلة، وغرست فيه حب السلامة في موطن الجرأة والِإقدام والمخاطرة:

أضحت تُشَجِّعُني هندٌ فقلتُ لها ... إن الشجاعة مقرونٌ بها العَطَبُ

لا والذي حَجَّت الأنصارُ كعبتَه ... ما يشتهي الموت عندي مَن له أرب

للحرب قومٌ أضلَّ اللَّهُ سعيهم ... إذا دعتهم إلى حوماتها وثبوا

ولست منهم ولا أهوى فعالهم ... لا القتل يعجبني منهم ولا السلبُ (٢)

آخر:

يقول لي الأمير بغير جرمٍ ... تقدَّمْ حين حلَّ بنا المِراسُ

فما لي إن أطعتُك في حياة ... ولا لي غير هذا الراسِ راسُ (٣)


(١) "صيد الخاطر" ص (٥٤٠ - ٥٤١).
(٢) و (٣) "المحاسن والأضداد" للجاحظ ص (٥٩)، وأين هذان من قول=

<<  <   >  >>