للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كبيرًا} وأعظِم بما يقول فيه رب العزة "إنه ملك كبير"، وأنت تعلم أن الدنيا بأسرها قليلة، وأن بقاءها من أولها إلى آخرها لقليل، ونصيب أحدنا من هذا القليل قليل، ثم الواحد منا قد يبذل ماله وروحه حتى ربما يظفر بقدر قليل من هذا القليل في بقاء قليل، وإن حصل له ذلك فيُعذَر، بل يُغْبَط، ولا يستكثر ما بذل فيه من المال والنفس (١)، نحو ما ذكر عن آمرىء القيس حيث يقول:

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنَّا لاحقان بقيصرا

فقلت له: لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكًا، أو نموت فنعذرا

فكيف حال من يطلب الملك الكبير في دار النعيم الخالد المقيم؛ أيستكثر مع ذلك أن يصلي ركعتين لله تعالى أو ينفق درهمين أو يسهر ليلتين، كلا بل لو كان له ألف ألف نفس، وألف ألف روح، وألف ألف عمر كل عمر مثل الدنيا وأكبر وأكثر، فبذل ذلك كله في المطلوب العزيز؛ لكان ذلك قليلاً، ولئن ظفر بعده بما طلب، لكان ذلك غُنْمًا عظيمًا، وفضلاً من الذى أعطاه كثيرًا) اهـ (٢).

قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن رجلاً يجر على وجهة من يوم ولد إلى يوم يموت هرمًا في طاعة الله -عز وجل- لحقره يوم القيامة" (٣)، وذلك لما يرى وينكشف له عيانًا من عظيم نواله، وباهر عطائه.


(١) راجع ص (٨).
(٢) "منهاج العابدين" ص (٢٤٧ - ٢٤٨)، وانظر قصة عبد الله بن حذافة ص (٣٠٦ - ٣٠٧).
(٣) رواه الإمام أحمد، والبخارى في "التاريخ"، والطبراني في "الكبير"، وقال الهيثمى: "إسناد أحمد جيد"، وفي سند الطبراني بقية، مدلس، لكنه صرح بالتحديث، وبقية رجاله وثقوا" اهـ.

<<  <   >  >>