للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث السادس عشر: خشوع التابعين ومن بعدهم]

التابعون من القرون المُفضَّلة، وكذلك أتباعهم - رضي الله عنهم -، لهم مواقف في خشوعهم في صلاتهم، تدل على رغبتهم فيما عند الله تعالى، ومنها الأمثلة الآتية:

١ - خشوع عروة بن الزبير في صلاته رحمه الله تعالى (١)، كان عروة يخشع في صلاته خشوعاً عظيماً، فقد ذُكِرَ عنه أنه خرج من المدينة مُتوجِّهاً إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وعندما كان في وادٍ قرب المدينة أصابه أكلة في رجله، ولم يصل إلى دمشق إلا وقد وصلت الأكلة إلى نصف ساقه، ودخل على الوليد، فجمع له الأطباء، فأجمعوا على أنه إن لم يقطعها وإلا أكلت رجله كلَّها إلى وركه، وربما ترقَّت إلى الجسد، فطابت نفسه بقطعها، وقالوا له: ألا نسقيك مُرَقِّداً؟ فقال: ما ظننت أن أحداً يشرب شراباً، أو يأكل شيئاً يُذْهِبُ عقله حتى لا يعرف ربه، ولكن إن كنتم لا بد فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة؛ فإني لا أحسُّ بذلك، ولا أشعر به، فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحي احتياطاً حتى لا يبقى منها شيء وهو قائم يصلي، فما تألَّم ولا اضطرب، فلمَّا انصرف من الصلاة


(١) عروة بن الزبير بن العوام، التابعي الجليل أحد الفقهاء السبعة، وكان من جملة الفقهاء العشرة الذين يرجع إليهم عمر بن عبد العزيز في زمن ولايته، أمه أسماء بنت أبي بكر، وخالته عائشة، وكان رحمه الله يقرأ كل يوم ربع القرآن، ويقوم به في الليل، وكان أيام الرطب يثلم حائطه للناس، فيدخلون ويأكلون، فإذا ذهب الرطب أعاد الحائط، ولد في سنة ثلاث وعشرين بعد عمر - رضي الله عنه -، وتوفي ٩٣هـ على المشهور، والله أعلم. [البداية والنهاية لابن كثير، ٩/ ١٠٢ - ١٠٣، وانظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، ٤/ ٤٢١ - ٤٣٨].

<<  <   >  >>