للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذين يتبعهم على إسلامهم خلق كثير.

وهكذا ينبغي للدعاة إلى اللَّه - عز وجل - أن يعظّموا أمر الحلم والعفو عن المسيء، لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حبًّا في ساعة واحدة؛ لما أسداه النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه من الحلم والعفو والمنّ بغير مقابل، وقد ظهر لهذا العفو الأثر الكبير في حياة ثمامة، وفي ثباته على الإسلام ودعوته إليه (١)؛ ولهذا قال:

أهمّ بترك القول ثم يردّني ... إلى القول إنعامُ النّبيّ محمّدِ

شكرتُ له فكّي من الغلِّ بعدما ... رأيت خيالاً من حسامٍ مهنّدِ (٢)

[المثال السابع: مع من جذب النبي - صلى الله عليه وسلم - بردائه:]

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جذبةً شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أثّرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: يا محمد، مُرْ لي من مال اللَّه الذي عندك، فالتفت إليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فضحك، ثم أمر له بعطاء (٣).

وهذا من روائع حلمه - صلى الله عليه وسلم - وكماله، وحسن خلقه، وصفحه الجميل، وصبره على الأذى في النفس، والمال، والتجاوز على جفاء من يريد تألفه على الإسلام؛ وليتأسّى به الدعاة إلى اللَّه،


(١) انظر: شرح النووي على مسلم، ١٢/ ٨٩، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٨/ ٨٨.
(٢) انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، ١/ ٢٠٣.
(٣) البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، برقم ٣١٤٩، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة، برقم ١٠٥٧.

<<  <   >  >>