للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والولاة بعده في حلمه، وخُلُقه الجميل من الصفح، والإغضاء، والعفو، والدفع بالتي هي أحسن (١).

المثال الثامن: اللَّهم اغفر لقومي:

ومن عظيم حلمه عدم دعائه على من آذاه من قومه، وقد كان باستطاعته أن يدعو عليهم، فيهلكهم اللَّه، ويدمرهم، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - حليم حكيم يهدف إلى الغاية العظمى، وهي رجاء إسلامهم، أو إسلام ذرياتهم؛ ولهذا قال عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -: كأني أنظر إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيّاً من الأنبياء، صلوات اللَّه وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدْمَوْهُ وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: ((اللَّهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)) (٢).

المثال التاسع: مع من سبّ:

ومن وراء الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، يأتي الدعاة إلى اللَّه والصالحون من أتباعهم، وإذا كان اللَّه - عز وجل - قد جعل محمداً - صلى الله عليه وسلم - مثلاً عالياً في الحلم، فقد أراد لأتباعه أن يسيروا على نهجه وسنته، ولذلك يقول اللَّه - تعالى - عن الأخيار من هؤلاء: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} (٣).

فمن صفاتهم أنهم أصحاب حلم، فإذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا


(١) انظر: فتح الباري، ١٠/ ٥٠٦، وشرح النووي على مسلم، ٧/ ١٤٦، ١٤٧.
(٢) البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان، برقم ٣٤٧٧، ومسلم، في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد، برقم ١٧٩٢.
(٣) سورة الفرقان، الآية: ٦٣.

<<  <   >  >>