للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلِيمٌ} (١).

إن الركون للصبر في مثل هذا المقام أمر محمود بل واجب لأن مقادير الله نافذة سواء رضي العبد أم سخط، صبر أم جزع، ولكن العاقل ينبغي أن يتحلى بالصبر حتى لا يحرم المثوبة، وإلا ستؤول به السنن الكونية إلى صبر الاضطرار الذي لا قيمة له في دين الله كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) (٢).

وذلك لأن العبد إن صبر إيماناً واحتساباً نفذت فيه المقادير وله الأجر، وإن جزع وهلع وتبرّم سلا سَلْوَ البهائم ونفذت فيه المقادير، وعليه الوزر.

إن التسليم بالقدر هو مقتضى العقل والدين معاً، وإلا فليفعل ما يشاء من إظهار الكآبة والمبالغة في التوجع والتشكي، ولن يغيِّر من الواقع شيئاً، ولن يبدِّل سنن الله في الكون، وإنما يزيد نفسه كمداً وغماً، وحسرة.

وانظر أيها العبد الصالح كيف يقرّر الله هذه الحقيقة مخاطباً رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - حين آذاه موقف قريش وتكذيبها له: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله وَلَقدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي


(١) سورة التغابن، الآية: ١١.
(٢) البخاري مع الفتح،٣/ ١٤٨،برقم ١٢٨٣،ومسلم مع النووي،٦/ ٢٢٧،برقم ٩٢٦،وتقدم تخريجه.

<<  <   >  >>