للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الثاني: الحزن ودمع العين؛ فإن ذلك قد حصل لأكمل الخلق نبينا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: دخلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سيف القين (١) - وكان ظئرًا (٢) لإبراهيم - عليه السلام - فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم فقبَّله وشمَّهُ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه (٣)، فجعلت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تذرفان (٤)، فقال له عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: وأنت يا رسول الله (٥)؟ فقال: ((يا ابن عوف إنها رحمة)) ثم أتبعها بأخرى (٦) فقال: ((إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربُّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)) (٧).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((ووقع في حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه: فقلت يا رسول الله تبكي أَوَلَمْ تَنْهَ عن البكاء؟ وزاد فيه: ((إنما


(١) القين: الحداد، ويطلق على كل صانع، يقال: قان الشيء: إذا أصلحه. فتح الباري لابن حجر، ٣/ ١٧٣.
(٢) ظئرًا: مرضعًا، وأطلق عليه ذلك لأنه كان زوج المرضعة، وأصل الظئر: من ظأرت الناقة إذا عطفت على غير ولدها، فقيل ذلك للتي ترضع غير ولدها، وأطلق ذلك على زوجها؛ لأنه يشاركها في تربيته غالبًا. وإبراهيم: ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتح الباري لابن حجر، ٣/ ١٧٣.
(٣) يجود بنفسه: أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله. فتح الباري لابن حجر، ٣/ ١٧٤.
(٤) تذرفان: يجري دمعهما. فتح الباري لابن حجر، ٣/ ١٧٤.
(٥) وأنت يا رسول الله: أي الناس لا يصبرون على المصيبة وأنت تفعل كفعلهم، كأنه تعجب لذلك منه مع عهده منه أنه يحث على الصبر وينهى عن الجزع، فأجابه بقوله: ((إنها رحمة)):أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة القلب على الولد، لا ما توهمت من الجزع)) فتح الباري لابن حجر، ٣/ ١٧٤.
(٦) ثم أتبعها بأخرى: قيل: أتبع الدمعة بدمعة أخرى، وقيل: أتبع الكلمة الأولى المجملة وهي قوله: ((إنها رحمة)) بكلمة أخرى مفصلة وهي قوله: ((إن العين تدمع))،فتح الباري لابن حجر،٣/ ١٧٤.
(٧) متفق عليه، البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنا بك لمحزونون))، برقم ١٣٠٣، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، برقم ٢٣١٥.

<<  <   >  >>