للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يعبأ بما رأى، ولم يهزهّ منظر السيف والنّطع والسيّاف، بل كان في عزّة المؤمن، ووقار الداعي إلى الله، فهابه الحجاج، وأقبل عليه يرحب به، ويدنيه من مجلسه، ويوسّع له، هذا ما حدث في وسط دهشة واستغراب الحرس والجنود.

وطفق الحجاج يسأل الحسن عن بعض أمور الدين، والحسن يجيبه عن كل مسألة بثقة العالم الرباني، لا يتتعتع، ولا يهتزّ، حتى انفضّ المجلس، وأحسن الحجاج للحسن، وطيَّبه (١).

٢ - موقفه مع سعيد بن المسيّب:

وهذا الحجاج الحاكم الظالم الغشوم، لا يقف أمامه أحد لظلمه وجبروته، فقد قيل لسعيد بن المسيّب: ما شأن الحجاج لا يبعث إليك، ولا يهيجك، ولا يؤذيك؟! قال سعيد: لا أدري، غير أن صلّى ذات يوم مع أبيه صلاة، فجعل لا يتمّ ركوعها ولا سجودها، فأخذت كفّاً من حصباء، فحصبته بها. قال الحجاج: فما زلت بعد ذلك أحسن الصلاة.

ولما عقد عبد الملك لابنيه الوليد وسليمان بالعهد، وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان فبايع الناس إلا سعيد بن المسيّب، فضربه هشام [أمير المدينة وقتذاك] ستين سوطاً، وطاف به في تبان من شعر حتى بلغ به رأس الثنية، فلما كروا به قال سعيد: أين تكرّون بي؟ قالوا: إلى السجن. قال سعيد: والله لولا أنني ظننته الصلب ما لبست هذا التبان أبداً. (أي حتى لا تكشف عورته إذا قتل) فردوه إلى السجن فحبسه. وكتب إلى عبد الملك يخبره بخلافه، فكتب إليه عبد الملك


(١) سير أعلام التابعين، ص١٣ - ١٥. وانظر: سير أعلام النبلاء، ٤/ ٥٦٣ - ٥٨٨، والطبقات الكبرى، ٧/ ١٥٧ - ١٧٧، وتهذيب الكمال، ٦/ ١٠٢ - ١٢٥.

<<  <   >  >>