للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينفر الناس عنه، وتزل موعظته من القلوب، كما يزل القطر من الصفا؛ لأن الكلام - في الغالب - إذا خرج من القلب وقع في القلب، وإذا خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان (١)، قال الشاعر:

يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يُقبل ما تقول ويُقتدى ... بالعلم منك وينفع التعليم

تصف الدواء لذي السقام من الضنا ... كيما يصح به وأنت سقيم

أراك تلقح بالرشاد عقولنا ... نصحاً وأنت من الرشاد عديم

لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم (٢)

والعمل بالعلم لابد فيه من الإخلاص، والإخلاص لابد أن يقصد به وجه اللَّه، ومحبته، ورضاه، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رضي الله عنه -: ((حُكيَ أن أبا حامد بلغه أن من أخلص للَّه أربعين يوماً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، قال: فأخلصت أربعين يوماً، فلم يتفجر شيء، فذكرت ذلك لبعض العارفين فقال لي: إنك أخلصت للحكمة، لم تُخْلِصْ للَّه)) (٣).

وذلك أن الإنسان قد يكون مقصوده نيل العلم والحكمة، أو نيل المكاشفات والتأثيرات، أو نيل تعظيم الناس له ومدحهم إياه، أو


(١) انظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، ٢/ ٨.
(٢) انظر: المرجع السابق، ١/ ١٩٦، ودرء تعارض العقل والنقل، ٩/ ٢٢، ٢٣.
(٣) درء تعارض العقل والنقل، ٦/ ٦٦.

<<  <   >  >>