للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله))، قالوا: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: ((ولا أنا، إلا أن يتغمَّدني اللَّه برحمة منه وفضل)) (١).

فجمع هذا الحديث مقامات الدين كلها، فأمر بالاستقامة وهي: السداد والإصابة في النيات والأقوال والأعمال، وعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم لا يطيقون الاستقامة، فنقلهم إلى المقاربة، وهي أن يقرب الإنسان من الاستقامة بحسب طاقته، كالذي يرمي إلى الهدف، فإن لم يصبه يقاربه، ومع هذا أخبرهم - صلى الله عليه وسلم - أن الاستقامة والمقاربة لا تنجي يوم القيامة، فلا يعتمد أحد على عمله، ولا يعجب به، ولا يرى أن نجاته به، بل إنما نجاته برحمة اللَّه، وعفوه، وفضله، فالاستقامة كلمة آخذة بمجامع الدين كله، وهي القيام بين يدي اللَّه على حقيقة الصدق، والوفاء بالعهد، وهي تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات.

والداعية إلى اللَّه يجب أن يكون من أعظم الناس استقامة، وبهذا - بإذن اللَّه تعالى - لا يُخيِّب اللَّه سعيه، ويجعل الحكمة على لسانه، وفي أفعاله، وتصرفاته، وهو تعالى ذو الفضل والإحسان (٢).

وأعظم الكرامة لزوم الاستقامة، وبذلك يقبل قول الداعية، ويقتدى بأفعاله، فيعطى بذلك خيراً كثيراً، وثواباً جزيلاً؛ لإخلاصه


(١) مسلم، في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة اللَّه، ٤/ ٢١٧٠، (رقم ٢٨١٦/ ٧٦).
(٢) انظر: مدارج السالكين لابن القيم، ٢/ ١٠٥، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ١٥/ ٣٥٧.

<<  <   >  >>