للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا من ظواهر حلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد أخذ بالظاهر، ولم يؤمر أن ينقب قلوب الناس، ولا أن يشق بطونهم، والرجل قد استحق القتل واستوجبه؛ ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتله، لئلا يتحدّث الناس أنه يقتل أصحابه، ولاسيما من صلّى (١).

[الصورة الثالثة: مع الطفيل]

من مواقف الحلم ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الطفيل بن عمرو الدوسي - رضي الله عنه -، فقد أسلم الطفيل - رضي الله عنه - قبل الهجرة في مكة، ثم رجع إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام، فبدأ بأهل بيته، فأسلم أبوه وزوجته، ثم دعا قومه إلى الله - عز وجل - فأبت عليه وعصت، وأبطؤوا عليه، فجاء الطفيل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر له أن دوساً هلكت وكفرت وعصت وأبت.

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن دوساً قد عصت وأبت، فادع الله عليهم، فاستقبل رسول الله القبلة ورفع يديه، فقال الناس: هلكوا. فقال: ((اللهم اهد دوساً، وائت بهم، اللهم اهد دوساً، وائت بهم)) (٢).

وهذا يدلّ على حلم النبي - صلى الله عليه وسلم - وصبره، وتأنِّيه في الدعوة إلى الله - عز وجل -؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعجل بالعقوبة، أو الدعاء على من ردّ الدعوة؛ ولكنه - صلى الله عليه وسلم - دعا لهم


(١) انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، ٨/ ٦٩.
(٢) البخاري، في كتاب الجهاد، باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم، برقم ٢٧٧٩، وفي كتاب المغازي، باب قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي، برقم ٤١٣١، وفي كتاب الدعوات، باب الدعاء على المشركين، برقم ٦٠٣٤، ومسلم، في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل غفار وأسلم وجهينة وأشجع وتميم ودوس وطيئ، برقم ٢٥٢٤، وأخرجه أحمد واللفظ له، ٢/ ٢٤٣، ٤٤٨، وانظر: البداية والنهاية، ٦/ ٣٣٧، ٣/ ٩٩، وسيرة ابن هشام، ١/ ٤٠٧.

<<  <   >  >>