للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشدّد له في القول، فنظر إليه عمر وعنياه تدوران في رأسه كالفلك المستدير، ثم قال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أسمع، وتفعل ما أرى، فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر لومه لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى عمر في سكون وتُؤَدَةٍ وتَبَسُّمٍ، ثم قال: ((أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التقاضي، اذهب به يا عمر فاقضه حقه، وزده عشرين صاعاً من تمرٍ))، فكان هذا سبباً لإسلامه، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وكان زيد قبل هذه القصة يقول: ((لم يبق شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفتها في وجه محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً)) (١).

فاختبره بهذه الحادثة فوجده كما وُصِفَ، فأسلم وآمن وصدق، وشهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مشاهده، واستشهد في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبر (٢).

فقد أقام محمد - صلى الله عليه وسلم - براهين عديدة من أخلاقه على صدقه، وأن ما يدعو إليه حق.


(١) ذكر ابن حجر في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة هذه القصة وعزاها إلى الطبراني، والحاكم، وأبي الشيخ في كتابه أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وابن سعد، وغيرهم، ثم قال ابن حجر: ورجال إسناده موثقون ... ومحمد بن أبي السري وثقة ابن معين ... والوليد قد صرح بالتحديث، ١/ ٥٦٦.
وذكره ابن كثير في البداية والنهاية، ٢/ ٣١٠، وعزاه إلى أبي نعيم في الدلائل، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، ٨/ ٢٤٠: ((رواه الطبراني، ورجاله ثقات)).
(٢) الإصابة في تمييز الصحابة، ١/ ٥٦٦.

<<  <   >  >>