للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا من روائع حلمه - صلى الله عليه وسلم - وكماله، وحسن خلقه، وصفحه الجميل، وصبره على الأذى في النفس، والمال، والتجاوز على جفاء من يريد تألفه على الإسلام؛ وليتأسّى به الدعاة إلى الله، والولاة بعده في حلمه، وخُلُقه الجميل من الصفح، والإغضاء، والعفو، والدفع بالتي هي أحسن (١).

[الصورة التاسعة: اللهم اغفر لقومي]

ومن عظيم حلمه عدم دعائه على من آذاه من قومه، وقد كان باستطاعته أن يدعو عليهم، فيهلكهم الله، ويدمرهم، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - حليم حكيم يهدف إلى الغاية العظمى، وهي رجاء إسلامهم، أو إسلام ذرياتهم؛ ولهذا قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيّاً من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدْمَوْهُ وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)) (٢).

[الصورة العاشرة: مع أبي إبراهيم]

ومما يدلّ على أن الحلم ركن من أركان الحكمة ملازمة صفة الحلم للأنبياء قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوتهم إلى الله تعالى.

فهذا إبراهيم أبو الأنبياء، عليه وعليهم الصلاة والسلام، قد بلغ من الحلم مبلغاً عظيماً حتى وصفه الله بقوله: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ


(١) انظر: فتح الباري، ١٠/ ٥٠٦، وشرح النووي على مسلم، ٧/ ١٤٦، ١٤٧.
(٢) البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان، برقم ٣٤٧٧، ومسلم، في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد، برقم ١٧٩٢.

<<  <   >  >>