للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- تعالى - عن الأخيار من هؤلاء: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} (١).

فمن صفاتهم أنهم أصحاب حلم، فإذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيراً كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً (٢).

فعن النعمان بن مقرن المزني - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسبّ رجل رجلاً عنده، فجعل المسبُوبُ يقول: عليك السلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أما إنَّ ملكاً بينكما يذبّ عنك كلما يشتمك هذا، قال له: بل أنت وأنت أحقّ به، وإذا قال له: عليك السلام، قال: بل لك، أنت أحق به)) (٣).

فهؤلاء الدعاة إلى الله والصالحون إذا خاطبهم الجاهلون قالوا صواباً وسداداً، ويردّون المعروف من القول على من جهل عليهم (٤)؛ لأن من أخلاقهم العفو والصفح عمن أساء إليهم، فقد تخلّقوا بمكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعةً، حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله كظموا ذلك الغضب فلم يُنفِّذُوه، {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ


(١) سورة الفرقان، الآية: ٦٣.
(٢) انظر: البداية والنهاية لابن كثير، ٢/ ٣١٠، والإصابة في تمييز الصحابة، ١/ ٥٥٦، ومجمع الزوائد، ٨/ ٢٤٠.
(٣) رواه الإمام أحمد في المسند، ٥/ ٤٤٥، وقال ابن كثير في تفسيره، ٣/ ٣٢٦: ((إسناده حسن)).
(٤) انظر: تفسير ابن كثير، ٣/ ٣٢٦.

<<  <   >  >>