للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للإسلام، انتشر الخبر في مكة كثيراً، وثبت لقريش أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بايع أهل يثرب، فاشتد أذاهم على من أسلم في مكة، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة إلى المدينة، فهاجر المسلمون، فاجتمع قريش في السادس والعشرين من شهر صفر في السنة الرابعة عشرة من النبوة، وأجمعوا على قتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأوحى الله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ ولحسن سياسته وحكمته أمر علياً أن يبيت في فراشه تلك الليلة، فبقي المشركون ينظرون إلى علي من صِير الباب (١)، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومرّ بأبي بكر، وهاجر إلى المدينة (٢).

وهذه المواقف العظيمة التي وقفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دليل واضح على حكمة النبي - صلى الله عليه وسلم -،وعلى صبره، وشجاعته، وأنه - صلى الله عليه وسلم - حينما علم بأن قريشاً قد طغت، ورفضت الدعوة بحث عن مكان يتخذ فيه قاعدة للدعوة الإسلامية، ولم يكتف بذلك، بل أخذ منهم البيعة والمعاهدة على نصرة الإسلام، وتم ذلك في مؤتمرين: بيعة العقبة الأولى، ثم الثانية، وعندما وجد مكان الدعوة الذي يتخذ قاعدة لها، ووجد أنصار الدعوة أذن بالهجرة لأصحابه، وأخذ هو بالأسباب عندما تآمرت عليه قريش، وهذا لا يعتبر

جبناً، ولا فراراً من الموت؛ ولكن يعتبر أخذاً بالأسباب مع التوكل على الله تعالى، وهذه السياسة الحكيمة من أسباب نجاح الدعوة، وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة إلى الله، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو قدوتهم وإمامهم (٣).


(١) صير الباب: هو شق الباب. انظر: المعجم الوسيط، مادة ((صار)) ١/ ٥٣١.
(٢) انظر: سيرة ابن هشام، ٢/ ٩٥، والبداية والنهاية، ٣/ ١٧٥، وزاد المعاد، ٣/ ٥٤، والسيرة النبوية دروس وعبر لمصطفى السباعي، ص٦١، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، ٢/ ١٤٨، وهذا الحبيب يا محبّ، ص١٥٦.
(٣) انظر: السيرة النبوية دروس وعبر، ص٦٨.

<<  <   >  >>