للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال البراء: كُنَّا والله إذا احمرّ البأس (١) نتَّقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢).

وفي رواية لمسلم عن سلمة قال: مررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزماً (٣)، وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد رأى ابن الأكوع فزعاً)). فلما غشوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال: ((شاهت الوجوه)) (٤)، فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولَّوْا مدبرين، فهزمهم الله، وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائمهم بين المسلمين (٥).

وقد قال العلماء: إن ركوب النبي - صلى الله عليه وسلم - البغلة في موضع الحرب، وعند اشتداد البأس هو النهاية في الشجاعة والثبات؛ ولأنه أيضاً يكون معتمداً

يرجع الناس إليه، وتطمئن قلوبهم به وبمكانه، وإنما فعل هذا عمداً، وإلا فقد كانت له - صلى الله عليه وسلم - أفراس معروفة.

ومما يدلّ على شجاعته تقدمه - صلى الله عليه وسلم - وهو يركض بغلته إلى جمع المشركين، وقد فرَّ الناس عنه، ونزوله إلى الأرض حين غشوه مبالغة في الشجاعة


(١) إذا احمر البأس: كناية عن شدة الحرب، واستعير ذلك لحمرة الدماء الحاصلة فيها في العادة. انظر: شرح النووي، ١٢/ ١٢١.
(٢) رواه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين، ٣/ ١٤٠١، برقم ١٧٧٦.
(٣) قال العلماء: قوله: ((منهزماً)) حال من ابن الأكوع، وليس النبي - صلى الله عليه وسلم -. انظر: شرح النووي، ١٢/ ١٢٢.
(٤) شاهت الوجوه، أي: قبحت. انظر: شرح النووي، ١٢/ ١٢٢.
(٥) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين،٣/ ١٤٠٢، برقم ١٧٧٧.

<<  <   >  >>