للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها، وبينها وبين ولدها؟ قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت، قالت: وردّ بنو عبد الأسد عند ذلك ابني فارتحلت ببعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة وما معي أحد من خلق الله (١).

الله أكبر ما أعظم هذا الموقف وما أحكمه: فقد ترك أبو سلمة زوجته وابنه، وماله، وهاجر بنفسه تاركاً نصفه وراءه من أجل دينه ويتجاذب بنو عبد الأسد وبنو المغيرة بن أم سلمة، ويخلعون يده وهي تنظر، وتحبس من أجل دينها، وتبكي كل يوم في الأبطح سنة أو قريباً منها، إنه موقف عظيم وبلاء كبير أسفر عن قوة الإيمان والصدق مع الله، فنسأل الله العافية في الدنيا والآخرة، ورضي الله عن أبي سلمة وزوجته وأرضاهما، فقد جاهدا في الله، وأُوذيا في الله، وصبرا في الله، والله المستعان.

[الصورة الخامسة: صبر عبد الله بن حذافة:]

وعندما ينظر الإنسان في موقف عبد الله بن حذافة بن قيس - رضي الله عنه - عندما حاول ملك الروم أن يصدّه عن دينه يرى الموقف الحكيم، والرجل العظيم!

وجَّه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جيشاً إلى الروم، فأسروا عبد الله بن حذافة،

فذهبوا به إلى مَلِكِهم، فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد. فقال: هل لك أن تتنصَّر وأُعطيك نصف ملكي؟ قال: لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما تملك، وجميع ملك العرب، ما رجعت عن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - طرفة عين، قال: إذاً أقتلك. قال: أنت وذاك، فأُمِرَ به فصُلِبَ وقال للرماة:


(١) انظر: سيرة ابن هشام، ٢/ ٧٧، والبداية والنهاية، ٣/ ١٦٩، والرحيق المختوم، ص١٥٠، وهذا الحبيب يا محبّ، ص١٥١.

<<  <   >  >>