للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جميع ما تملك، وجميع ما تَملُك، وجميع ملك العرب، ما رجعت عن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - طرفة عين، قال: إذاً أقتلك. قال: أنت وذاك، فأُمِرَ به فصُلِبَ وقال للرماة: ارموه قريباً من بدنه، وهو يعرض عليه ويأبى ولم يجزع، فأنزله، وأمر بقدر فصبَّ فيه ماء وأُغلي عليه حتى احترقت، ودعا بأسيريْنِ من المسلمين، فأمر بأحدهما، فأُلقي فيها فإذا عظامه تلوح، وهو يعرض عليه النصرانية وهو يأبى، فأمر بإلقائه في القدر إن لم يتنصّر، فلما ذهبوا به بكى، فقيل للملك: إنه بكى، فظن أنه قد جزع، فقال: ردوه، فقال: ما أبكاك؟ قال: قلت هي نفس واحدة تُلقى الساعة فتذهب فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري أنفس تُلقى في النار في اللَّه. فتعجب الطاغية فقال له: هل لك أن تُقبّل رأسي وأًخلِّي عنك؟ فقال له عبد اللَّه: وعن جميع أسارى المسلمين؟ قال: نعم، فقبّل رأسه، فخلّى عنهم، وقدم بالأسارى على عمر، فأخبره خبره. فقال عمر: حقٌّ على كلِّ مسلم أن يُقبِّل رأس عبد اللَّه بن حذافة، وأنا أبدأُ. فقبَّل رأسه (١).

هذا موقف عظيم حكيم، فإن عبد اللَّه - رضي الله عنه - ثبت على دينه، ولم يقبل سواه، ولو أُعطى ملك كسرى ومثله معه، وملك العرب جميعاً، ثم لصدقه مع اللَّه لم يجزع من الرّماة عندما رموه وهو مصلوب، ولم يجزع من القِدْرِ والماء المغليّ وقد رأى من يُلقى في


(١) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، ٢/ ١٤، والإصابة في تمييز الصحابة، ٢/ ٢٦٩.

<<  <   >  >>