للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بناء المدينة الزهراء وقصورها، حيث ساق إليها أنهاراً، نقب لها الجبل، وأنشأها مدوَّرةً، وعدة أبراجها ثلاث مئة بُرج، شرفاتها من حجر واحد، وقسَّمها أثلاثاً: فالثلث المسند إلى الجبل قصورهُ، والثلث الثاني دور المماليك والخدم، والثلث الثالث بساتين تحت القصور. وعمل مجلساً مُشرفاً على البساتين، صَفّح عُمُدَه بالذهب، ورصَّعه بالياقوت، واللؤلؤ، وفرشه بمنقوش الرخام، وصنع قدَّامه بحرةً مستديرة ملأها زئبقاً، فكان النور ينعكس منه إلى المجلس، وقعد في هذه القبة المزخرفة بالذهب والبناء البديع الذي لم يُسبق إليه، وجلس عنده جماعة من الأعيان رؤوس دولته وأمراؤه، فقال لهم: هل بلغكم أن أحداً بنى مثل هذا البناء؟ فقال له الجماعة: لم نرَ ولم نسمع بمثله، وجعل جميع من حضر يثنون على ذلك البناء ويمدحونه وأثنوا وبالغوا، ومنذر بن سعيد القاضي ساكت مطرق لا يتكلم. فالتفت إليه الملك وقال: ما تقول أنت يا أبا الحكم؟ فبكى القاضي وانحدرت دموعه على لحيته، وقال: واللَّه ما كنت أظن يا أمير المؤمنين أن الشيطان أخزاه اللَّه يبلغ منك هذا المبلغ المهلك لصاحبه في الدنيا والآخرة، ولا أنك تمكنه من قيادك هذا التمكين مع ما آتاك اللَّه وفضلك به على كثير من الناس، حتى أنزلك منازل الكافرين والفاسقين. فقال له الخليفة: انظر ما تقول وكيف أنزلني منازل الكافرين؟ فقال: قال اللَّه - تعالى -: {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ

<<  <   >  >>