للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم - أحكم خلق اللَّه، فمواقفه وتصرفاته كلها مواقف حكمة مشرفة، ومن وقف على أخلاقه ورفقه وعفوه وحلمه، ازداد يقينه وإيمانه بذلك.

وهذا الأعرابي قد عمل أعمالاً تثير الغضب، وتسبب عقوبته وتأديبه من الحاضرين؛ ولذلك قام الصحابة إليه، واستنكروا أمره، وزجروه، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقطعوا عليه بوله.

وهذا في غاية الرفق والحلم والرحمة، ويجمع ذلك كله الحكمة، فقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحكمة على هذا الأعرابي عمله، فقال له حينما قال: "اللَّهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً": ((لقد تحجرت واسعاً))، يريد - صلى الله عليه وسلم - رحمة اللَّه، فإن رحمة اللَّه قد وسعت كل شيء، قال - عز وجل -: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (١)، فقد بخل هذا الأعرابي برحمة اللَّه على خلقه.

وقد أثنى اللَّه - عز وجل - على من فعل خلاف ذلك حيث قال: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} (٢).

وهذا الأعرابي قد دعا بخلاف ذلك، فأنكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) سورة الأعراف، الآية: ١٥٦.
(٢) سورة الحشر، الآية: ١٠.

<<  <   >  >>