للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

((وفيه دليل على أن الواجب على العبد أن يكون على حذر من ربه تعالى في كل أحواله، وإن كان من أهل الاجتهاد في العبادة في أقصى غاية، إذ كان الصدِّيق مع موضعه في الدِّين لم يسلم مما يحتاج إلى الاستغفار إلى ربه تعالى منه)) (١)، فمن باب أولى من كان دونه.

قوله: ((ولا يغفر الذنوب إلا أنت)): أي لا أحد يقدر على ستر الذنوب، والتجاوز عنها إلا أنت وحدك، ففيه الإقرار بالوحدانية للَّه تعالى، واستجلاب المغفرة منه.

قوله: ((فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني)): دلّ تنكير ((مغفرة)) على أن المطلوب غفران عظيم، لا يُدرك كنهه، ووصفه بكونه من عنده - سبحانه وتعالى - بيان لذلك العظم؛ لأن الذي يكون من عند اللَّه تعالى لا يحيط به وصف، وفيه إشارة إلى طلب مغفرة متفضّل بها لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره.

والمعنى: هبْ لي مغفرة تفضلاً، وإن لم أكن لها أهلاً بعملي؛ لهذا أضافها إليه ((من عندك)) فإنها تكون أعظم وأبلغ، فإن عظم

العطاء من عظم المُعطي (٢).

وقدّم ((ظلمت نفسي)): وهو الاعتراف بالتقصير والذنب على سؤال المغفرة، فاغفر لي أدباً جميلاً، كما قال ذلك أبوانا: آدم وحواء: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ


(١) الفتوحات الربانية، ١/ ٦٠٩.
(٢) الفتح، ٢/ ٤١٣، والفتوحات الربانية، ١/ ٦١٠.

<<  <   >  >>