للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} (١).

قوله: ((ومن جار السوء في دار المقامة)): لأن شرّه دائم, وأذاه ملازم، الذي لا يأتمر بأوامر اللَّه تعالى, ولا ينتهي عن نواهيه، ومنها معرفة حق الجار، ويشمل جار المقام: الزوجة، والخادم, والصديق الملازم, وفيه إيماء إلى أنه ينبغي تجنب جار السوء, والتباعد بالانتقال عنه إن وجد إلى ذلك سبيلاً.

وجاء في رواية أخرى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهم إني أعوذ بك من جار في دار المقامة فإن جار البادية يتحول)) (٢)، فيه بيان علّة الاستعاذة من جار السوء في دار المقام, فإنه ثابت ولا يتحول، عكس جار البادية، وفيه بيان تفصيل معاناة العبد حال الدعاء، وبث الشكوى،

والهمّ، والحزن له تعالى, وإظهار العبد فاقته، وفقره، واحتياجه إلى ربه تعالى، الذي هو روح العبادة ولبُّها؛ فإن أحقّ من يلجأ إليه، ويشكو له الهم والحزن، وكلّ ما به هو الربّ - عز وجل -، كما ذكر اللَّه عن يعقوب أنه قال: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} (٣).

وفي الحديث بيان لأهمية الاستعاذة من كل الشرور، وإن التفصيل في الاستعاذة أمر مطلوبٌ ومُهمّ؛ لأن المقام مقام عبادة،


(١) سورة الفرقان، الآيات: ٢٧ - ٢٩.
(٢) البخاري في الأدب المفرد، برقم ١١٧، وأخرجه النسائي، برقم ٥٥١٧، والحاكم، ١/ ٥٣٢، وصححه ووافقه الذهبي، ومسند أبي يعلى، ١١/ ٤١١، برقم ٦٥٣٦، وابن أبي شيبة، ٨/ ٣٥٩، وشعب الإيمان للبيهقي، ٧/ ٨١، والدعوات الكبير له، ١/ ٤٥٨، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم ١٢٩٠، وفي صحيح النسائي، ٣/ ١١١٨.
(٣) سورة يوسف، آية: ٨٦.

<<  <   >  >>