للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رضي اللَّه عنها، فعن محمد بن أبي بكر قال: ((كانت عائشة رضي اللَّه عنها، إذا غضبت عرَّك النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنفها ثم يقول: ((يا عويش! قولي: اللَّهم ربَّ محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن)) (١).

قوله: ((اللَّهم ربَّ محمد)): فيه توسل بربوبيته تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، وهو تعالى ربّ كل شيء ومليكه؛ لعظم شأنه - صلى الله عليه وسلم -، وأن التوسل بربوبيته له، أقرب للإجابة في حصول المطلوب، هذا الدعاء فيه طلب السلامة من أشد الشرور الظاهرة، والباطنة، في الدين والدنيا، والآخرة، فبدأ في سؤال اللَّه تعالى السلامة من أشدها فقال: ((اللَّهم اغفر لي)): سأل اللَّه تعالى المجاوزة عن الذنوب، وترك العقاب عليها، وهذا المطلب الجليل غالب في أدعية الكتاب والسنة؛ لأن الذنوب تورد العبد شر الموارد في الدنيا والآخرة، فكان في تقديم هذا المطلب أولى من غيره من المطالب، ثم شرع في سؤال اللَّه تعالى السلامة من أشد الشرور الباطنة.

فقال: ((وأذهب غيظ قلبي)): ((أي شدة الغضب الذي يكون

منشأه غليان دم القلب وفورانه لأمر يعرض على خلاف المراد)) (٢).

سأل اللَّه تعالى أن يذهب الغيظ في القلب؛ لأنه منهك للنفس، متعب للقلب والبدن، فقد يتولّد منه الحقد، والكراهية، والبغضاء، والتعدي، والانتقام، وسوء المآل والحال، لهذا دعا اللَّه تبارك وتعالى العباد إلى إمساك النفس عند اعتراء الغيظ، قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ


(١) أخرجه ابن السني، ٤٥٦، قال محققه: ((إسناده حسن)).
(٢) الفتوحات الربانية ٣/ ٢٧٨.

<<  <   >  >>