للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مع الايمان بالأديان السماوية الأخرى بل إن الأمر على العكس، فإن الأديان إذا كان مصدرها واحدا- أي أن باعث أنبيائها واحدا وهو الله- فإن الإيمان بأحدهما لا يكفي، ولاسيما إذا نبه الأنبياء إلى ذلك ودعوا- جميعا- إلى الإيمان بها جميعا- والقرآن مفعم بالأدلة على ذلك، وحسبنا قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}، بل إن الفائدة لا تتم إلا بذلك فإن الله إذ يبعث إلينا بنبي، بعد نبي، وبدين بعد دين، ليبعث بالقانون الإجتماعي الصالح لكل زمن ولكل جيل، فكلما اقتضى حال جيل من الأجيال، قانونا جديدا، نسخ الله القانون السابق أو عدله بقانون آخر، هكذا تطورت الأديان، حسب تطور حال الإنسان، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كان الإنسان قد وصل إلى الطور الكامل الذي يتطلب تشريعا يتناسب مع ما وصل إليه من كمال، فجاءت شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بالتعاليم الملائمة لهذا الطور، والصالحة لكل طور يأتي بعده، لأنها بلغت الحد الأعلى في الكمال، فكل تشريع سبق شريعة الإسلام لم يعد صالحا لهذا الزمان، ولاسيما بعدما دخل عليه من تحريف، وزيادة، ونقصان، كما يعترف به كثيرين من أهل الأديان.

ولكنها المادية التي طغت على أبناء هذا الزمان، فأفمدتهم كل تعقل وكل اتزان، وإلا فأي عذر ينهض، وأية حجة لا تدحض، لهؤلاء الذين تنكروا لدين يحمل معه آية صدقه وآية إقناعه وعدة دفاعه؟ إنهم لا يجنون إلا على أنفسهم، إذ يقفون في طريق سعادتم، ويعيشون في ظمأ روحي لافح يحرق لهواتهم، ويحرمهم أسمى شهواتهم، فالحياة المجدبة المظلمة الشقية هي التي لا تشع فيها الأقباس الروحية، ولا تستمد خصبها ونماءها من الإطمئنان إلى قوة إلاهية تسندها وتحميها وتحنو عليها، وإن حفلت بكل أطايب الدنيا ومباهج الحياة، وإني لأرثى لأولئك الذين يقضون أعمارهم طلابا دارسين ثم يعودون أجساما بلا أوراح تتحرك كما تتحرك الساعة، ولكن لا تعرف محركها يذهبون إلى المدية بجهلهم ويعودون بكفرهم وإلحادهم، إن العلم الذي لا ينفع خير منه الجهل الذي لا يضر، وليس كل علم ينفع، ولا كل جهل يضر، ولولا ذلك لما قال عليه الصلاة والسلام: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع" بل لما قال: "إن من العلم لجهلا" وقد كان الكثير من أصحاب رسول الله، لا يعلمون من العلم ما يعلم هؤلاء الضالون المضلون، ولكنهم نعموا بهدوء بال لم يصل إليه أكبر

<<  <   >  >>