للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثمرة ذكر الموت أنه يرقق القلب، ويذيب قسوته، ويوقظه من غفلته، فيرجع العبد عن المعاصي، ويخرج من المظالم، ويقبل على الطاعات، ويكثر منها، لئلا يفجأه الموت الذي يقطعه عن أسباب النجاة، ويفوت عليه العمل الصالح، ورُوي عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أتاني جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد عش ما شئت فإِنك ميت، وأحبب من شئت فإِنك مقارقه، واعمل ما شئت فإِنك مجزيّ به " الحديث (١).

وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: (بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ بصر بجماعة، فقال: " على ما اجتمع هؤلاء؟ " قيل: " على قبر يحفرونه "، ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبدر بين يدي أصحابه مسرعاً حتى انتهى إلى القبر، فجثا عليه، قال: فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع، فبكى حتى بل الثرى من دموعه، ثم أقبل علينا فقال: " أي إِخواني لمثل هذا اليوم فأعِدّوا " ((٢).

وقال عمر بن عبد العزيز لأبي حازم: " عظني "، فقال: " اضطجع، ثم اجعل الموت عند رأسك، ثم انظر ما تحب أن يكون فيك تلك الساعة فجدَّ فيه الآن، وما تكره أن يكون فيك، فدعه الآن ".

اليوم تفعل ما تشاء وتشتهي ... وغداً تموت وتُرفَعُ الأقلامُ

وقال أبو حازم سلمة بن دينار: " كل عمل تكره الموت من أجله فاتركه، ثم لا يضرك متى مت ".

وقد ربط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ذكر الموت "، وبين " حفظ اللسان " كما في


(١) رواه أبو نعيم في " الحلية " (٣/ ٢٥٣)، والحاكم (٤/ ٣٢٤ - ٣٢٥)، وصححه، ووافقه الذهبي، وحسَّنه المنذري في " الترغيب " (٢/ ١١)، والألباني في " الصحيحة " رقم (٨٣١).
(٢) رواه ابن ماجه (٤١٩٥)، والإمام أحمد (٤/ ٢٩٤)، والخطيب في " التاريخ " (١/ ٣٤١)، وحسنه الألباني في " الصحيحة " رقم (١٧٥١).

<<  <   >  >>