للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن أثبت مكانك- بكل خطوة إلى وراء مراحل إلى قُدَّام تنقطع فيها أعناق المطيِّ، والله أعلم) (١).

والأدب منه ما هو وهبيٌّ يجْبَلُ عليه الإنسان، ومنه ما هو كسبي يمكن اكتسابه بالمجاهدة والترويض (٢)، قال - صلى الله عليه وسلم - لأشَجّ عبد القيس: " إِن فيك خَلَّتين يحبهما الله: الحِلْمُ والأناة "، فقال: " يا رسول الله أنا أَتخلَّقُ بهما، أم الله جبلني عليهما؟ "، قال: " بل الله جبلك عليهما "، قال: " الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله " (٣).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: " إِنما العلم بالتعلم، والحِلْم بالتحلم، ومن يتحر الخير يُعْطَه، ومن يتوق الشر يُوَقه " (٤).

ولو كانت الأخلاق والآداب صفات لازمةً في الإنسان، بحيث يستحيل تغييرها وتبديلها (٥) كسائر الصفات الجسدية الوراثية لما أمر الشرع بالتحلي بالآداب الجميلة، والتخلي عن القبيحة (٦)، وقد قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩)


(١) " مدارج السالكين " (٢/ ٣٩١ - ٣٩٢).
(٢) لكن الناس يتفاوتون في مقدار أهليتهم واستعدادهم لاكتساب الآداب أو تعديلها، فمن جُبل على أدب معين يسهل عليه ترسيخه في نفسه؛ لأن فطرته تعينه عليه.
(٣) رواه أبو داود رقم (٥٢٢٥)، وابن ماجه رقم (٤١٨٨)، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " رقم (٤٣٥٤).
(٤) رواه الخطيب (٩/ ١٢٧)، وحسنه الألباني في " الصحيحة " رقم (٣٤٢).
(٥) وكيف ينكر تغيير الأخلاق وترويض النفوس في حق بني آدم مع أن تغيير خُلُق البهيمة ممكن؟! إذ ينقل الوحش بالترويض من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد، وانظر: " جوامع الآداب " ص (٤).
(٦) لأنه " لا تكليف إلا بمقدور " و " لا تكليف بمستحيل "، قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].

<<  <   >  >>