للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل: أن يستر عورته , وإن كان خاليًا لا يراه أحد (١)، أدبًا مع الله، على حسب القرب منه، وتعظيمه وإجلاله، وشدة الحياء منه، ومعرفة وقاره).

إلى أن قال رحمه الله تعالى: (وجرت عادة القوم أن يذكروا في هذا المقام قوله تعالى عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -، حين أراه ما أراه: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: ١٧]، وأبو القاسم القشيري صدر باب الأدب بهذه الآية، وكذلك غيره.

وكأنهم نظروا إلى قول مَن قال من أهل التفسير: إن هذا وصف لأدبه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك المقام، إذ لم يلتفت جانبًا، ولا تجاوز ما رآه، وهذا كمال الأدب، والإخلالُ به: أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله، أو يتطلع أمام المنظور، فالالتفات زيغ، والتطلع إلى ما أمام المنظور: طغيان ومجاوزة، فكمال إقبال الناظر على المنظور: أن لا يصرف بصره عنه يَمنة ولا يَسرة، ولا يتجاوزه.

هذا معنى ما حصلته عن شيخ الإسلام ابن تيمية، قدس الله روحه.

وفي هذه الآية أسرار عجيبة، وهي من غوامض الآداب اللائقة بأكمل البشر - صلى الله عليه وسلم -: تواطأ هناك بصره وبصيرته، وتوافقا وتصادقا فيما شاهده بصره، فالبصيرة مواطئة له، وما شاهدته بصيرته فهو أيضًا حق مشهود بالبصر، فتواطأ في حقه مشهد البصر والبصيرة.


(١) يشير إلى ما رواه معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: " احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ") الحديث، وفيه: (قلت: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال: " الله أحق أن يستحيا منه من الناس ") رواه الامام أحمد (٥/ ٣ - ٤)، وأبو داود رقم (٤٠١٧)، والترمذي (٢٧٩٤)، و (٢٧٦٩)، وحسنه، والحاكم (٤/ ١٨٠)، وصححه، ووافقه الذهبي.

<<  <   >  >>