للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجارية في سِترها تستمع، قال: فانطلق الرجل يريد أن يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -بذلك، فقالت الجارية: " أتريدون أن تردوا على رسول - صلى الله عليه وسلم - أمره (١)؟ إن كان قد رضيه لكم؛ فانكحوه، فكأنها جلت (٢) عن أبويها، وقالا: " صدقت "، فذهب أبوها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " إن كنت قد رضيته؛ فقد رضينا قال: " فإني قد رضيته "، فزوجها، ثم فزع (٣) أهل المدينة، فركب جليبيب، فوجدوه قد قُتل، وحوله ناس من المشركين قد قتلهم، قال أنس: " فلقد رأيتها، وإنها لمن أنفق (٤) بيت في المدينة ").

وفي رواية قال ثابت: " فما كان في الأنصار أيِّم أنفقُ منها " (٥) وحدث إسحاقُ بن عبد الله بن أبي طلحة ثابتًا قال هل تعلم ما دعا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " اللهم صُبَّ عليها الخير صبًّا، ولا تجعل عيشها كدًّا كدًّا " (٦)، قال:


(١) وفي رواية: " ادفعوني إليه؟ فأنه لم يُضَيِّعْني ".
(٢) جَلَتْ: كشفت وأوضحت أمرًا خفي عليهما، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - {أَولَى {بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِم} [الأحزاب: ٦]، ولقوله تعالى: ({وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦]، وقوله عز وجل: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥].
(٣) أي: أخافهم العدو.
(٤) أنفق: من النَّفاق -بفتح النون المشددة- وهو ضد الكساد، والمعنى أنها كانت أعظم امرأة أيِّم في بيوت المدينة يتسابق إليها الخُطَّاب بعد قتل جليبيب، وذلك ببركة كونها رضيت بنكاح جليبيب الذي كان ينفر منه الناس، ويبركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لها.
(٥) رواه الإمام أحمد (٤/ ٤٢٢).
(٦) الكد: الشدة والضيق.

<<  <   >  >>