للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد صدق ونصح حفظه الله؛ إذ إن تصدر هؤلاء للدعوة على جهل سيعرضهم حتمًا للكلام باسم الإسلام، والإفتاء باسم شريعته، والقول على الله تعالى بغير علم، والاحتجاج " بالمصلحة " في غير موضعها، وتقديم الأهواء على الوحيين الشريفين.

قال عمر رضي الله عنه: " تفقهوا قبل أن تُسَوَّدوا " (١).

وقال الشافعي رحمه الله: " إذا تصدر الحَدَثُ؛ فاته علم كثير " (٢).

وهذا من توسيد الأمر لغير أهله، ومن منازعة الأمر أهله، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: ٧]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " قتلوه قتلهم الله؛ إِن شفاء العي السؤال " (٣).

وعن مالك قال: (أخبرني رجل دخل على رييعة بن أبي عبد الرحمن، فوجده يبكي، فقال له: ما يُبكيك؟ وارتاع لبكائه -فقال له: أدخلت عليك مصيبة؟ فقال: " لا، ولكن استُفْتِيَ من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، وَلبعضُ من يُفتي ها هنا أحق بالسَّجن من السُّرَّاق " (٤).

قال الإمام الشاطبي رحمه الله: ( .. السائل لا يصح أن يسأل من لا يُعتبر في الشريعة جوابُه؛ لأنه إسنادُ أمرٍ إلى غيرِ أهله، والإجماع على عدم صحة مثل هذا، بل لا يمكن في الواقع، لأن السائل يقول لمن ليس بأهل لما سئل عنه: " أخبرني عما لا تدري! وأنا أسند أمري لك فيما نحن بالجهل به على سواء "، ومثل هذا لا يدخل في زمرة العقلاء؛ إذ لو قال له: " دُلَّني في هذه المفازة على


(١) " فتح الباري " (١/ ١٦٦).
(٢) " فتح الباري " (١/ ١٦٦).
(٣) " الفقيه والمتفقه " (٢/ ٦٨).
(٤) " جامع بيان العلم " رقم (٢٤١٠) ص (١٢٢٥).

<<  <   >  >>